حتى لا ندفع ثمن تبعات علاج اقتصادهم


أنباء الوطن -

%0.6 كانت حصيلة الانخفاض لمعدل التضخم في الولايات المتحدة بالشهر الأخير من العام المنصرم وذلك بالمقارنة مع الشهر الذي سبقه، ليصبح المعدل 6.5% بدلا من 7.1%، انخفاض طفيف جدا بعد سبع محاولات من البنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي لتحقيق هذا الفارق من خلال الرفع المتتالي لنسبة الفائدة، انجاز لا يدل على ذلك النجاح المطلوب وخاصة انه تم بشهر كانون أول الذي يختلف الخبراء على طبيعة تأثيره على سير الاقتصاد وذلك لخصوصيته على مجريات حياة المواطن الأمريكي.

 

لتأتي الزيادة الثامنة لسعر الفائدة بواقع 25 نقطة اساس بداية شهر شباط من العام الحالي لتصبح النسبة تتراوح بين نطاق 4.5% و 4.75%، ورغم انها بالمحصلة هي ارتفاع إلا أن التوجه الاعلامي ركز على نقطة جانبية لتخفف من وقع ذلك كثيرا وهي أن وتيرة الرفع كانت منخفضة وانه قد سبق وأن حدث انخفاض مماثل لها، وكأن التدرج بالارتفاع لا يعني ان الارتفاع قد تم وان الرقم الحالي لنسبة الفائدة لم يصبح قريبا جدا بما اصطلح على تسميته بذروتها والتي ان تم الوصول إليها او تجاوزها سيكون له الكثير من الآثار الضارة على مج 

إن التضخم لا يبتعد مفهومه عن ان المبلغ الذي كنت تنفقه لاقتناء حاجاتك من المشتريات والخدمات الشهرية التي كنت تحصل عليها لم يعد يكفي رغم عدم ارتفاع لأي من الكم اوالنوع لهم، وبالتالي يأتي هذا الرقم لمعدل التضخم والذي يتم قياسه من خلال منظومة ضخمة من تحليل العديد من البيانات المختلفة التي تتعلق بالأجور والأسعار والانفاق والقدرات الشرائية والحاجات الخدماتية، ليتحكم هذا الرقم بالقرار الذي يتعلق بنسبة الفائدة، والذي سيكون له الأثر المتباين على إقتصادهم المحلي والعديد من اقتصادات الدول.

 

فإذا كان هذا الرقم لمعدل التضخم مرتفعا يتجه القرار للاحتياطي الفيدرالي والذي عادة يجتمع ثماني مرات بالسنة لرفع الفائدة وبالنسبة التي يعتقد انها ستخفضه او تحد من ازدياده، ويتم ذلك من خلال تأثير هذه الزيادة بنسبة الفائدة على الحد من الإنفاق وتوجيه السيولة إلى البنوك وذلك بسبب العائد المرتفع لها، وبالتالي يقل الطلب ويزداد العرض فتنخفض الأسعار، والعكس تماما يتم ان كان هناك انخفاض بالانفاق فيتم خفض الفائدة مما يقلل الرغبة بإيداع السيولة النقدية بالبنوك لانخفاض العائد وبالتالي التوجه نحو الانفاق وتشجيع الإقتراض للاستثمار لتدني نسبة الفائدة التي تترتب عليه.

 

هما العرض والطلب كل ما يدور حولهما ذلك التغيير من رفع او انخفاض لسعر الفائدة، ولا يمكن دائما الحصول على النتائج المرجوة من ذلك فهناك تعقيدات تفرض ارتباك هذه المعادلة وخاصة ان كان ارتفاع الأسعار مرتبط بشكل مباشر بارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة لظرف دولي خاص يتعلق بخطوط الإمداد للمواد الخام أو مصادر الطاقة، فإن مستوى العرض والطلب ستتحكم به عوامل مختلفة وعلاج التضخم لهذه الحالة يختلف بمعالجة الأسباب الحقيقية خلفه.

لذلك لا يمكن الاكتفاء بوسيلة التغيير المتتالي لاسعار الفائدة لما لها من تبعات قد تكون بمنتهى السلبية على إقتصاد العديد من دول العالم، فبعض الدول اقتصادها المحلي لا يعاني من تلك النسبة من التضخم وربما على العكس تماما تكون ظروفها الاقتصادية تحتاج إلى خفض بسعر الفائدة لا ارتفاعها ولكنها ستجد نفسها مضطرة وعلى مضض للحذو حذو البنوك بالخارج برفع الفائدة وبنفس النقاط وذلك خوفا من الاتجاه إلى (الدولرة) او هجرة الودائع التي لدى بنوكها المحلية، وتأتي المزيد من المخاوف والمحاذير جراء رفع نسبة الفائدة بأن يتجه أصحاب رؤوس الاموال إلى تجميد اموالهم بالبنوك فالعائد مغري لذلك، وحتى على مستوى من ليس بذلك الثراء فقد يحجم عن الاستثمار بشراء شقة او غير ذلك ويجمد أمواله بالبنوك لنفس السبب السابق، وبالاضافة ان الاقتراض او التمويل من البنوك لن يكون على أفضل حال نظرا لارتفاع التكاليف التي ستترتب على جدواه.

 

صحيح أن الظروف الدولية الحالية سواء من الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على سلاسل التوريد الإمداد وما سبقها من جائحة الكوفيد إضافة الى التغيرات المناخية فلكل من ذلك له نسبة ما من التأثير السلبي على اقتصادات الدول، إلا أن النمط الاستهلاكي وطبيعة الحاجات للشعوب ونسبة اقبالها على الخدمات لا يمكن ابدا أن تكون متماثلة، وبالتالي القرارات التي تناسب إقتصاد الولايات المتحدة قد لا تناسب ابدا غيرها من الدول، عدا عن ان الكثير من الدول طبيعة اقتصادها يعطيها الكثير من المرونة والقدرات للتحكم بنسب العرض والطلب، فإما من خلال نجاح تأثيرها على مواطنيها بترشيد الانفاق او تقييد الاستهلاك او من خلال تخفيضات أو رفع للضرائب والرسوم الجمركية او اي تسهيلات خاصة لتشجيع التوجه نحو مجال اقتصادي معين وغير ذلك من الطرق التي يمكن السير بها بعيدا عن التغيير المتتالي لسعر الفائدة الذي يربك الاقتصاد.

 

وهذا ما يدعوني للتساؤل هل جهابذة الاقتصاد في الولايات المتحدة الذي يعتبر الاقتصاد الاقوى عالميا قد عجزوا عن التحكم بعوامل وتوجهات الاقتصاد عامة ومستويات العرض والطلب خاصة بأي من الوسائل الأُخرى غير تغيير سعر الفائدة ام أن الشراهة والنهم لثقافة الاستهلاك المرتبطة بزخم الاعلان لديهم لا تمكنهم من التحكم بتلك العوامل الا من خلال ذلك؟ ام ان لاهذا ولا ذاك والقرار يرتبط بمصالح خاصة تتعلق بالسياسة رفيقة الاقتصاد؟

 

مهما كانت الإجابة فطالما نحن والعديد من الدول لا نعاني من ذلك المعدل من التضخم فلماذا علينا أن ندفع ثمن هذا الإرباك للاقتصاد؟ وان كان لا مناص لدينا لتجنب ذلك نتيجة للكثير من الاعتبارات التي قد يطول الخوض فيها، فلا بد لنا بعد رفع نسبة الفائدة بنفس النسبة التي قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفعها من العمل على الحفاظ على استمرار ونجاح الاستثمار بالدفع دائما لادارة الاقتصاد من خلال رفع الحد الأدنى للأجور وبنسبة مدروسة، وتخفيض ولو مؤقت ليتم إعادته بالتدرج كما قد تفرضه عوامل السوق مستقبلا للرسوم الجمركية وذلك حتى لا تتأثر الصناعات المحلية، وتخفيض جيد لضريبة المبيعات، كل ذلك بالإضافة لحسن تطبيق قانون البيئة الاستثمارية الجديد الذي تم العمل به،فكل ذلك سيكون بمثابة المحرك الفعال لدوران عجلة الاقتصاد بكل سلاسة وسيجنبنا ثمن تبعات علاج اقتصادهم التي تم تكراره لثماني مرات ومن المتوقع تكراره قريبا فمعدل التضخم المطلوب لديهم على المدى البعيد الذي تسعى كل جهودهم لتحقيقه 2%.