الخِطابُ الملكيُّ في ذكرى الاستقلالِ السّادسِ والسّبعينَ … رؤيةٌ ملكيّةٌ جديدةٌ للمئويّةِ الثّانيةِ.


أنباء الوطن -

 

ألقى جلالةُ الملكِ عبدِ اللهِ الثّاني ابنِ الحسينِ خطابًا يحملُ معهُ مضامينَ تُفضي إلى تحديثِ منظومتيِ السياسةِ والاقتصادِ، وإن أخذَ في ظاهرِه طابعَ التّهنئةِ بذكرى استقلالِ المملكةِ، فقرنَ جلالتُه بينَ التهنئةِ والرؤيةِ الملكيّةِ القائمةِ على فكرةِ التّطويرِ والارتقاءِ بالقطاعِ العامِ.

وفي مستهلِّ خطابِهِ عرضَ جلالتُه أهمَّ المرتكزاتِ التي تقومُ عليها السّياسةُ المُتَّبَعةُ في الأردنِّ، إلى جانبِ الثّوابتِ التي أُسِّسَ عليها نهجُ الهاشميّينَ الذي رافقَ مسيرةَ حكمِهم، وخاصةً فيما يتّصلُ بالتّعاملِ معَ ما يستجدُّ في المشهدِ المحليِّ والعالميِّ؛ حيثُ سعى الأردنُّ جاهدًا إلى تخفيفِ وطأةِ تداعياتِ الأزماتِ التي تعصفُ بالعالمِ على المواطنِ الأردنيِّ والنّأيِ بهِ عنها.

كما أرسى جلالتهُ دعائمَ ومرتكزاتِ الرّؤيةِ الملكيّةِ الجديدةِ للمئويّةِ الثّانيةِ للدّولةِ الأردنيّةِ، ويُلحَظُ من مضامينِ الخِطابِ الملَكيِّ أنَّ عمليّةَ الإصلاحِ الشّاملِ تقعُ في صدارةِ أولويّاتِه، وما يدعمُ ذلك القولَ سعيُ جلالتِهِ إلى تحقيقِ التّنميةِ الشّاملةِ والمُستدامةِ في قطاعاتٍ عدّةٍ؛ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ بُغيةَ تأمينِ مستوًى معيشيٍّ أفضلَ للأردنيّينَ.

وحدّدَ جلالتُهُ محاورَ عدّةً تُسهِمُ في كنهِها في تحقيقِ غاياتِ تلكَ الرّؤيةِ منها؛ استثمارُ الطّاقاتِ البشريّةِ، فالثّروةُ البشريّةُ هي أثمنُ ما يمتلكُ الأردنُّ، وتحيلُنا هذه المسألةُ إلى نهجِ المغفورِ له الملكِ الحسينِ بنِ طلالِ الذي يقولُ في هذا المقامِ: "الإنسانُ أغلى ما نملُك"، ويشي ما ذهبَ إليهِ الملكُ في هذا المضمارِ بأنَّ الإبقاءَ على النّهجِ الملكيِّ الهاشميِّ ركيزةٌ أساسيّةٌ في مسيرةِ جلالتِهِ الذي يؤمنُ بأنَّ الإصلاحَ لا يتحقّقُ دونَ شراكةِ المواطنِ الأردنيِّ بغضِّ النّظرِ عنِ المهنةِ التي يمتهنُها، فالمواطنُ الفعّالُ من وحيِ إيمانِهِ لا يحيدُ عن ترجمةِ شعارِ المواطنةِ وما يتّصلُ بهِ؛ إذ يلعبُ دورًا بارزًا في المساهمةِ في تحقيقِ الأهدافِ المنشودةِ في المجالاتِ جميعِها على اختلافِها وتعدّدِها.

وفي ذكرى الاستقلالِ السّادسِ والسّبعينَ أشارَ جلالتُه إلى الدّورِ الذي يقومُ بهِ الأردنُّ تجاهَ القدسِ الشّريفِ؛ في إشارةٍ منه إلى تمسّكِهِ بمواقفهِ ومبادئهِ التي استمدّها من فكرِ الهاشميّينَ المجبولةِ بعقيدتهِم والملازمةِ لمسيرتِهِم، إذ أكدَّ على استمراريّةِ الوصايةِ الهاشميّةِ على المقدّساتِ الدّينيّةِ؛ الإسلاميّةِ والمسيحيّةِ في القدسِ، مشيدًا بمواقفِ الأردنِّ تجاهَ القضايا العربيّةِ وعلى رأسِها القضيّةُ الفلسطينيّةُ.

وتباهى جلالتُه بصمودِ الأردنِّ وثباتِهِ الذي لطالما حظيَ بإعجابِ الدّولِ العربيّةِ والعالميّةِ في ظلِّ التّحدّياتِ والصّعوباتِ المعاصرةِ، فنالَ الأردنُّ في ذلك سمعةً طيّبةً نتجَ على إثرِها التّعاونُ المثمرُ في المجالاتِ كافّة، ويكفلُ في جوهرِهِ تحقيقَ الأمنِ الاقتصاديِّ بشكلٍ يؤتي أُكُلَهُ على المنظومةِ الاقتصاديّةِ المشتركةِ، يقولُ جلالتُه: "وفي عالمٍ يشهدُ اليومَ أزماتٍ سياسيّةً واقتصاديّةً غيرَ مسبوقةٍ منذُ عقودٍ طويلةٍ يسعى الأردنُّ جاهدًا لاحتواءِ تداعياتِها على أمنِهِ القوميِّ، معتمدًا على رصيدِهِ من السُّمعةِ والمكانةِ الدّوليّةِ المتميّزةِ، وحرصِهِ على تعزيزِ العلاقاتِ مع أشقّائِهِ العربِ لبناءِ منظومةٍ واحدةٍ تكفلُ تحقيقَ متطلّباتِ الأمنِ الاقتصاديِّ بوصفه أساسَ استقرارِ المجتمعاتِ وازدهارِها".

كما سلّطَ جلالتُهُ الضّوءَ على مُواكبةِ الأردنِّ معطياتِ التّطوّرِ والحداثةِ فهو يؤمنُ بضرورةِ أن يتبوّأَ الأردنُّ مكانةً عاليةً في مصافِّ الدّولِ المتقدِّمةِ، ويواكبَ  التّقدّمَ الذي يشهدهُ العالمُ، إذ يرمي جلالتُه إلى تحقيقِ تطلّعاتِ شعبِهِ ورؤاهُ، حيثُ يسيرُ الأردنُّ بخطًى متسارعةٍ نحوَ سبرِ أغوارِ المرحلةِ الانتقاليّةِ التي يؤسّسُ لها جلالةُ الملكِ تماشيًا معَ المئويّةِ الثّانيةِ للمملكةِ الأردنيّةِ الهاشميّةِ، وعمادُ تلك المرحلةِ يكمنُ في التّحديثِ السّياسيِّ، وتجديدِ دماءِ الحياةِ الحزبيّةِ عبرَ المشاركةِ الفعّالةِ للشّبابِ فيها، إضافةً إلى توجيهِ أهدافِ الأحزابِ وغاياتِها لخدمةِ المواطنِ في المقامِ الأوّلِ، ويتوّجُ الملكُ تلكَ المرحلةَ بالإصلاحِ الاقتصاديِّ وسيرورةِ عجلةِ الاقتصادِ، إذ يُشكّلُ اقتصادُ الدّولةِ بيتَ القصيدِ في عمليّةِ الإصلاحِ الشّاملِ، وجزءًا لا يتجزّأُ من عمليّةِ التّنميةِ المُستدامةِ، والنّهوضُ بالمجالِ الاقتصاديِّ من وجهةِ نظرِهِ لا يكون إلا بتوفيرِ فرصِ العملِ، الأمرِ الذي يُفضي إلى رفعِ معدّلاتِ النّموِّ والنّهوضِ بالجانبِ الاقتصادِيِّ.

ولم يتجاوزْ جلالتُه فيما يتصّلُ برؤيتهِ الاقتصاديّةِ الارتقاءَ بمستوى الخدماتِ المُقدَّمةِ للمواطنينَ، عبر تسهيلِ الإجراءاتِ البيروقراطيّةِ، ورفعِ كفاءةِ العاملينَ، وتطويرِ برامجِ الحكومةِ الإلكترونيّةِ. وافتتح جلالتُهُ تلكَ الإجراءاتِ التي ستتّبعُها الحكومةُ بإيقافِ أوامرِ الدّفاعِ التي جرى العملُ بها منذُ بدءِ جائحةِ كورونا والتّداعياتِ التي نتجتْ عنها، كما نوّهَ جلالتُهُ إلى أهميّةِ وجودِ الإدارةِ الحصيفةِ ذاتِ الكفاءةِ العاليةِ التي تُسهمُ في تحقيقِ الأهدافِ التي يصبو إليها.

وختمَ جلالةُ الملكِ خطابَهُ بتهنئةِ الأردنيّينَ والأردنيّاتِ -كما استهلّه- وخصَّ بها أبناءَ القوّاتِ المسلّحةِ وأفرادَ الأجهزةِ الأمنيّةِ، واقتضتِ التّهنئةُ بالاستقلالِ ولوجَ جلالتِهِ إلى الإعلانِ عن رؤيتهِ التي ترسمُ الطّريقَ نحوَ مستقبلٍ نيّرٍ يستندُ إلى منظومةِ إصلاحٍ شاملةٍ يلمسُ آثارَها أبناءُ الأردنِّ وبناتُهُ، وتليقُ بالأردنِّ في غرّةِ مئويَّتِهِ الثّانية.