ترميز (81) للإعفاء الجمركي


أنباء الوطن -

https://www.youtube.com/watch?v=pKUTWueLc-c

 

 

 

تمضي أيام عبد الكريم الحالكة، ويضيق به المكان رغم رحابته، فهو أشد ضيقا من أن يحتمل ألمه ومرارة أيامه، في غرفة مظلمة تنتظر ضوء الشمس، يجلس يوميا على الكرسي المهترئ ذاته متكئاً على عكازين يناظر السماء، أملا أن تنفك عقدة قدميه ولسانه، وأن يبدل الله حاله، فكل يوم هو في شأن. 

خطوات عبد الكريم البطوش تكاد أن تكون معدودة، بعد أن شخصه أطباء قبل سنوات بالشلل الدماغي، حيث يقول "معاناة  الأشخاص ذوي الإعاقة لا تتوقف، وتبدأ منذ لحظات ولادته إلى موته، وتزداد معاناته عندما يولد لعائلة لا تمتلك المعلومات الكافية للتعامل مع هكذا حالات". 

في كفي عبد الكريم تختفي الكثير من القصص، فهما بقيتا تسندانه بعد أن ابتعد عنه أقرب الناس إليه، وبعد أن "رجموه بضروب من الكلام بوصفه عاجزا"، لا يستطيع مساندة نفسه، أو ذويه. 

"لم أستطع الذهاب إلى المدرسة لعدم وجود بنية تحتية مؤهلة، ولم أكن أخرج من البيت إلا للضرورة، فلا يوجد مكان يتناسب مع أوضاعي الصحية، حتى ساقني القدر إلى نادي الوفاء لذوي الإعاقة، فأصبحت ارتاده كل يوم، طمعا في الحصول على أصدقاء جدد، يبددون حزني ووحدتي"، يقول عبد الكريم.

ويضيف "لعدم توفر قطاع نقل جيد يساعد الأشخاص ذوي الإعاقة في التنقل، قررت شراء سيارة والحصول على إعفاء جمركي وضريبي بعد أن أشار علي بعض الأصدقاء ذلك حتى تساعدني السيارة في الذهاب والعودة، لكن فرحة حصولي على الإعفاء لم تكتمل". 

"إعفاء لا يصل مستحقيه"

تثاقلت أحزان عبد الكريم بعد حصوله على الإعفاء الجمركي على حد وصفه لفريق "المملكة"، فلم يكن باستطاعته قيادة المركبة، ولم يسمح له أيضا الركوب فيها إلا صدفة، عند توافق مواعيد الشخص المخول له بقيادة المركبة مع أماكن ذهاب عبد الكريم. 

"تقوم فكرة إعطاء الإعفاءات الجمركية للمركبات والتي تحمل الترميز (81) الخاصة بالأشخاص من ذوي الإعاقة، على فلسفة تعويضية، لعدم توفر وسائل نقل، وبيئة محيطة مهيئة لنقل الأشخاص ذوي الإعاقة من مكان إلى آخر، وبدون الحاجة إلى مساعدة من قبل ذويه، حيث يعتبر هذا حل مؤقت، فنحن نسعى اليوم إلى إيجاد بيئة مساندة إلى ذوي الاعاقة"، وفق ما أكد أمين عام المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مهند العزة. 

ويصنف الإعفاء الجمركي على أنه "حق مكتسب للأشخاص ذوي الإعاقة، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يتم التنازل عنه لصالح أي شخص من داخل العائلة أو خارجها، إلا بعد الموافقة الضمنية والخطية للحاصل عليه، وفي حال استخدام الإعفاء من قبل شخص آخر غير مخول له قيادة المركبة يتعرض لمسألة قانونية"، بحسب ما أكد المحامي الدولي فيصل خزاعي لـ "المملكة".

يعفى حامل الإعفاء الجمركي الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة، من الرسوم الجمركية، والضريبة العامة على المبيعات، والضريبة الخاصة ورسوم طوابع الواردات، وأي رسوم أخرى قد تستحق على شراء المركبة، وتصل قيمة الإعفاء إلى 12 ألف دينار، وفي حال ارتفعت قيمة المركبة عن ذلك يطلب من صاحب الإعفاء شراء مركبة أقل سعرا، أو أن يقوم بدفع فرق سعر الشراء، وفق ما أكد رئيس لجنة الإعفاءات الجمركية عقيد جمارك رائد عواد.

ويضيف عواد لـ "المملكة"، "شروط جمة وضعت في النظام المعدل لإعفاء مركبات الإشخاص ذوي الإعاقة 2020، وللحصول على إعفاء جمركي خاص بالإشخاص ذوي الإعاقة، وبناء على تقارير طبية أولية مفصلة بحالة مقدم الطلب، وفي حال ورود شكوك لدى اللجنة بعد فحص الشخص، يتم طلب إجراء فحوصات مختلفة وإحضار تقارير طبية معززة للحالة، للتأكد من وصول الإعفاء إلى مستحقيه". 

تتكون لجنة الإعفاءات الجمركية من 4 أطباء مختصين في أنواع متعددة من الإعاقات، كذلك ممثل عن مركز تشخيص الإعاقات في وزارة الصحة، وممثل عن المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتتشكل اللجنة في دائرة الجمارك برئاسة أحد كبار موظفيها يسميه المدير العام. 

ويسمح للحاصل على الإعفاء بتفويض شخص أو اثنين من أقاربه، حتى الدرجة الثانية لقيادة المركبة المعفاة نيابة عنه، كما يجوز كذلك تفويض من يعمل لديه بوظيفة سائق، بموجب عقد عمل مصدق من وزارة العمل، ومن هنا يبدأ التلاعب بهذه الإعفاءات تحت مسمى القانون، كما يقول خزاعي. 

"لا يوجد نظام في العالم يخلو من خروقات، وإنكار وجود مخالفات متعلقة ببيع الإعفاءات الجمركية لا يساعد في حل هذه المشكلة، فمن الممكن أن تحدث على أرض الواقع ولكن بعيدا عن أعين السلطات الرسمية، والأجهزة الرقابية، فقد يلجأ حامل الإعفاء إلى بيعه بغية الحصول على مكاسب مادية أو غيرها"، بحسب ما أكده العزة.

- إعفاء جمركي للبيع -

ما وثقته "المملكة"، من حالات أثناء البحث عبر شبكات التواصل الاجتماعي كان بوصلة الطريق، إلى وجود تجاوزات متعلقة ببيع الإعفاءات إلى أشخاص آخرين يبحثون عن مركبات معفاة من الرسوم الجمركية والضريبية، وذلك عبر عمل عقود رسمية بين الحاصل على إعفاء، والمشتري بتسجيله كسائق رسمي للمركبة. 

أحمد (اسم مستعار)، هو السائق الرسمي لمركبة تحمل الترميز (81)، استطاعت "المملكة"، الوصول إليه بعد نشره إعلانا عن بيع مركبة معفاة من الرسوم الجمركية، والضريبية عبر إحدى منصات شبكات التواصل الاجتماعي، وجرى الاتصال به وعرض عليه الرغبة بشراء الإعفاء، وأعلم فريق "المملكة" بسعر الشراء. 

حاول أحمد أن يقنع معدي التقرير بشراء الإعفاء الجمركي، بعد أكد حصوله على تفويض من قبل صاحب الإعفاء كون الأخير يعاني من إعاقة بصرية وليس بمقدوره قيادة المركبة. 

تراوحت أسعار الإعفاءات، كما أكد أحمد بين 1000-3000 دينار، ويتم دفع مبلغ الإعفاء بعد الانتهاء من إجراءات توقيع العقد وتصديقه في وزارة العمل، والذي بموجبه سيصبح معدو التقرير السائقين الرسميين للمركبة، وينتفعون بها على مدار الساعة.

تظهر أوراق حصلت عليها "المملكة" من دائرة الجمارك العامة إلى أن قيمة الإعفاءات للمركبات التي تحمل الترميز (81)، منذ مطلع عام 2017-2021 وصلت إلى ما يقارب 53 مليون دينار، فيما كانت أعداد المركبات التي تحمل الترميز 81 تصل إلى ما يقارب 26 ألف مركبة، فإن إجمالي عدد الإعفاءات الجمركية التي تمت الموافقة عليها ما يقارب 40 ألف إعفاء. 

"تشديد الرقابة المباشرة على سائقي المركبات التي تحمل الترميز (81)، هو الحل الأمثل"، وفق ما يرى المحامي الخزاعي، ويضيف" لا بد من أن تقوم الجهات المختصة بإجراء حملات تفتيش مكثفة وبشكل مفاجئ، للتأكد من وصول الاستحقاق إلى الحاصلين عليه".

"مخالفات جمركية عدة ضبطت خلال الفترات السابقة"، بحسب الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي، مضيفا: "لكن بعد تشديد الرقابة والمتابعة الحثيثة، لوحظ تراجع كبير في أعداد المخالفات، ولربما تشكلت حالة من الوعي لدى صاحب الإعفاء بضرورة عدم التفريط به، أو بيعه خوفا من العقوبات التي قد تلحق به".

بحسب المادة رقم 11 الفقرة "أ" من نظام إعفاء مركبات الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2019  فإنه "في حال ضبطت المركبة المعفاة مستخدمة من غير المستفيد من الإعفاء، أو من غير الشخص المخول بالقيادة، أو استعملت لغير الغاية التي أعفيت من أجلها، أو تم التصرف فيها، أو في جزء منها على وجه مخالف للقانون تستوفي الرسوم والضرائب والغرامات المتحققة عن تلك المخالفة وفقا لقانون الجمارك وقانون السير".

فئات جديدة جرى شمولها في كل تعديل طرأ على نظام إعفاء مركبات الأشخاص ذوي الإعاقة على مدار السنوات الثلاث الماضية، ولم يكن ليخطر ببال المشرع وهو بصدد إصدار أي تعديل، أن يضع أنظمة أكثر فعالية تضبط وصول الاستحقاق إلى مالكيه.

المملكة