زياد الرفاتي يكتب: عن الاسباب الحقيقية والحلول المقترحه للعنف الجامعي


أنباء الوطن -

شهدت الجامعات الأردنية في الآونة الأخيرة أعمال عنف ومشاجرات طلابية شارك بها أيضا أناس من خارج الجامعة ، ولا نعلم كيف دخلوها .

وفي هذا السياق ، وددت أن أكتب عن هذه الظاهرة التي أصبحت مؤرقة للجميع دون استثناء حيث كنت طالبا في الجامعة الأردنية في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية / قسم المحاسبة خلال السنوات من 1984-1988 ، وأن غيرتي على الجامعة التي تعتبر أم الجامعات هي التي دفعتني للكتابة عن هذا الموضوع ، حيث لم تكن تشهد الجامعة في القرن الماضي ما تشهده حاليا وكانت صرحا علميا لها سمعتها المحلية والعربية والإقليمية والدولية تتسابق المؤسسات المختلفة على توظيف خريجيها وإعطائها الأولوية عن غيرها من الجامعات حيث كانت تضم نخبة متميزة من الطلبة والمدرسين أصحاب الباع الطويل والخبرات العميقة في مجالاتهم ومؤهلاتهم العلمية من أعرق الجامعات حيث كان الطالب آنذاك بمثابرته وجهده واجتهاده يحصل على العلامة التي يستحق والشهادة عن جدارة ، وقد كانت هذه الفترة امتداد لفترة السبعينات وامتدت لفترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ، حيث تعاقب على إدارتها آنذاك نخبة متميزة من الأساتذة الكبار أمثال الدكاترة ناصر الدين الأسد ومحمود السمرة وخالد الكركي وعبد السلام المجالي وما أحوجنا إلى عهد الجامعة إبان توليهم أمانة المسؤولية ، ولا بد للجامعة أن تستعيد هيبتها وأمجادها التي بناها الذين تسلموا إدارتها بعد تأسيسها وتعاقبوا عليها بعد ذلك .

وقد اختلف الوضع في بداية القرن الحالي واستمر على ذلك ، حيث تراجع مستوى التعليم الجامعي وتراجع تصنيف الجامعات الأردنية عالميا وتفوقت علينا جامعات كانت متأخرة عنا في التصنيف العالمي .

وفي ظل استمرار ظاهرة العنف والمشاجرات في الجامعة الأردنية وغيرها من الجامعات ،فإنه لا بد من إدارات الجامعات والقائمين على التعليم العالي من تشخيص أسبابها الحقيقية ووضع الحلول المناسبة لمعالجتها جذريا ، وباعتقادي فإن هذه الأسباب لا تخرج عما يلي :

1- ضعف مستوى التحصيل العلمي للكثير من الملتحقين في الجامعات ، وتدني المستوى الفكري والثقافي وابتعادهم عن مصادر المعرفة سواء داخل الجامعات كالمكتبات أو في محيطها الخارجي ، ويمتد هذا الضعف أثناء الدراسة الجامعية وهذا ما نلمسه من مخرجات التعليم الجامعي من تدني لمستوى الخريجين في سوق العمل ، ويتركز هذا الضعف في الكليات الإنسانية أكثر منه في الكليات العلمية .

2-لا زالت العقلية المناطقية تسيطر على التعامل بين الطلبة داخل الجامعات ، فابن المنطقة يقف إلى جانب الطالب المعتدي ويأجج المشكلة بدلا من ردعه .

3- الفراغ الكبير في الوقت الذي يقضيه الطلبة داخل الجامعة ، والفراغ مفسدة للوقت وهنا يقع على عاتق إدارات الجامعات إشغال أوقات الطلبة بنشاطات لامنهجية وأعمال تطوعية ، ونشاطات ثقافية ورياضية واجتماعية ، بما يعود بالنفع عليهم وعلى جامعاتهم والمجتمع المحيط بهم ، وصقل معارفهم ومهاراتهم وتجذير العلاقة بينهم وذوبان عقلية الأصول والمناطقية .

4- إدخال نشاطات إلزامية في مسيرة الحياة الجامعية بحيث لا يتخرج الطالب دون المشاركة فيها تغرس فيهم ثقافة الحوار والمشاركة مع الآخرين والعمل التطوعي والجماعي بعيدا عن الفردية واستغلالا لأوقاتهم بما يعود على الوطن والمجتمع والجامعة بالمنفعة ، بدلا من الجلوس في أوقات الفراغ ساعات طويلة يهدر فيه الوقت والطاقات ، وتكون مناخا مضيعا للوقت .

5- أن يكون هناك دور لدوائر القبول والتسجيل في الجامعات في وضع البرنامج الدراسي للطالب في الجامعة ولا يترك ذلك لحريته ، بحيث تعمل على الحد من الفراغ الكبير في الأوقات بين محاضرة وأخرى والتي تكثر من خلالها أعمال العنف والمشاجرات

6- لا زالت سياسة القبول الحالية في الجامعات تلعب دورا في ذلك ، ولا بد من العودة إلى مبدأ التنافس الحر في القبول وإعادة النظر في الاستثناءات لفرز الطالب المجد عن ذلك .

7- إن أسلوب التدريس والامتحانات السائد في الجامعات له دور في ذلك أيضا ، حيث أسلوب التلقين ، وإتباع طريقة الأسئلة الموضوعية دون الأسئلة ذات الإجابة المقالية والتحليلية والاستنتاجية ، مما يجعل الطالب غير قادر على التعبير عن نفسه وما يجول في خاطره ومدى استيعابه للمادة الدراسية ، ويساهم ذلك في التفريغ عن طريق العنف وعدم الحوار وعدم الاستماع للطرف الآخر ، لأن الجامعات لم تعمل على تهيئة الظروف الملائمة لذلك .

8- الحد من ظاهرة الأبحاث الجاهزة التي يشتريها الطلبة من السوق بدلا من العودة الى المراجع العلمية والمكتبات لإعداد أبحاثهم ، وملاحقة من يسوق لها التي تساهم في قتل الفكر والتحليل والإبداع والقدرة على المناقشة لدى الطلبة ، وعلى عضو الهيئة التدريسية مناقشة الطالب في بحثه لخلق جو الحوار ، لا أن يأخذه منه جاهزا لأغراض العلامة فقط كإجراء روتيني واستكمالا للمتطلبات .

9- إن بعض مستوى الهيئات التدريسية في الجامعات ليس بالمستوى المطلوب، ولا بد من التشديد على مصدر ونوعية الجامعات واعتماديتها والمدد المقررة حسب المعايير العالمية لمنح الشهادة التي تؤهله للتدريس في الجامعة ، وإلزامه على تقديم أبحاث علمية دورية ، والقيام بدراسات أثناء التدريس ، ولا يكون ذلك فقط لمجرد الترقية له وذلك لجعله دائما يعمل على تطوير نفسه وبما ينعكس إيجابا على جودة العملية التدريسية .

10-الحد من اكتظاظ الطلبة في قاعات التدريس زيادة عن العدد المقرر وفقا للمعايير العالمية ، حيث أن سعة الجامعات الحكومية تزيد عن الطاقة الاستيعابية المقررة لها لأسباب مالية دفعها الى ذلك ، وانعكس ذلك سلبا على قدرة المدرس والطالب من إطلاق طاقاتهم وفكرهم وحواراتهم وإيصال المعلومة بانسيابية ومرونة .

11-يبدو من التجارب السابقة ، أن الأمن الجامعي غير قادر على مواجهة المشاجرات ، ولا بد من تأهيلهم وتدريبهم والاستفادة منهم وإكسابهم المهارات اللازمة لذلك وإعطائهم صفة الضابطة العدلية .

12-إن هذه المشاجرات تستنزف وقت وجهد الأجهزة الأمنية عند حضورها لفضها ، وهذه الأجهزة لديها أولويات وما يكفيها من العمل ولا يجب إشغالها بمثل هذه الأمور ، وهم ساهرون على أمننا وراحتنا ويستحقون منا تحية التقدير والإكبار ، ورجل الأمن عليه دور أكبر من أن يقوم بردع طالب ليس لديه إحساس بالمسؤولية لإفتعالة مشاجرة لأسباب واهية بعيدة كل البعد عن قيمنا الأخلاقية والدينية والوطنية .

فالمشكلة ليست أمنية ، ولا يجوز أن نقحم الأمن داخل أسوار الجامعات في قضايا ليست من صلب عمله الرئيسي وهي في الأساس من مهام إدارة الجامعات ومجالس أمنائها ، ووزارة التعليم العالي ، ومجلس التعليم العالي الذين يجب أن يكون لهم أدوار أيضا في ذلك ، ولا يقفون موقف المتفرج على أوضاع الجامعات وما تعاني منه دون حلول جذرية.

وهنا يبرز دور رؤساء الجامعات في القيام بأدوارهم قبل الوصول إلى مرحلة طلب الأمن الى الجامعات ، وذلك من خلال إعادة النظر في السياسات والتعليمات والإجراءات المتبعة داخل الجامعات وبالتشارك مع المختصين والجسم الطلابي من مبدأ الحوار والمشاركة في صنع القرار والقرب من الطلبة وترتيب الأولويات ، حتى يشعر الطالب بأن له دور في سير العملية التعليمية ، ولا يشعر بالتهميش .

13- يبدو أن نظام العقوبات في الجامعات غير فاعل وغير رادع مما يجعل الطالب المعتدي غير مكترث ، ولا بد من تغليظ العقوبات لتكون أكثر ردعا وعبرة لمن تسول له نفسه أن يقدم على افتعال مشاجرة أو عنف .

14-لقد كان هناك طلبة من الدول العربية ولا سيما الخليجية في السنوات الماضية وجهتهم الجامعات الأردنية ، وكانوا موردا ماليا هاما من مواردها ، وقد تحولوا عن ذلك في الفترة الماضية بعد التراجع الذي شهده مخرجات التعليم العالي في الأردن .

15-إن على رؤساء الجامعات دور كبير في اجتثاث العنف ومعالجة أسبابه .

16-إن على إدارات الجامعات أن تفتح قنوات اتصال مع الطلبة مباشرة من خلال اللقاءات والاجتماعات الدورية والاستماع الى قضاياهم واحتياجاتهم وما يجول في خواطرهم وكذلك من خلال استبيانات متضمنة أسئلة محددة توزع على الطلبة حول سير العملية التعليمية بكافة عناصرها ، وتعود بالإجابات الى إدارة الجامعة مباشرة من مبدأ تطبيق أسلوب التغذية الراجعة ، ويتم دراسة وتقييم هذه الإجابات واتخاذ الإجراء المناسب بشأنها من قبل إدارة الجامعة .

17- إن الجامعات تعاني من مديونية ثقيلة عليها وعجز في ميزانياتها ، وقد أدى ذلك الى سيرها نحو قبول أعداد كبيرة من الطلبة يفوق قدراتها وإمكانياتها الاستيعابية وإدخال البرنامج الموازي والبرنامج الدولي الذي يدفع فيه  الطالب أضعاف القسط العادي .

مما انعكس ذلك سلبا وبشكل كبير وجوهري ومؤثر على نوعية الطلبة والتعليم ومخرجاته وهذه الجامعات تحتاج الى دعم حكومي للتخفيف مما تعاني منه .

لقد تحدث جلالة الملك المعظم الى رؤساء الجامعات الحكومية في الأسبوع الماضي ، وأكد على أن العنف الجامعي هو خط أحمر ، وقد كان حديث جلالته واضحا وصارما في ذلك ، وأن رسالته يجب أن تصل الى الجميع دون استثناء .

بقلم زياد الرفاتي

مساعد المدير العام للمالية في البنك التجاري الأردني سابقا