خلف الجدران يفتتح الدورة السادسة لمهرجان عكاشة السينمائي في المغرب  


أنباء الوطن -

 

 

الدار البيضاء - حنان عبدالله 

 

سيحتضن مركز الإصلاح والتهذيب عين السبع بمدينة الدار البيضاء المغربية حدثاً ثقافياً استثنائياً. إذ ستنعقد الدورة السادسة لمهرجان عكاشة السينمائي، جامعاً شباباً معتقلين، فنانين، سينمائيين، مؤسسات رسمية وفاعلين من المجتمع المدني حول قناعة واحدة: السينما يمكن أن تكون أداة للعدالة وللتحول الاجتماعي.

ينظم المهرجان كل من المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج وجمعية حلقة وصل سجن مجتمع، بدعم من شركاء وطنيين ودوليين. 

ويُعد مهرجان عكاشة السينمائي أول مهرجان سينمائي في المغرب - ومن بين القلائل في العالم يُصمَّم ويُنظَّم داخل مؤسسة سجنية.

 

مهرجان وُلد خلف الجدران

 

تأسس مهرجان عكاشة السينمائي بمبادرة من فاطنة البيه، الكاتبة والمناضلة في مجال حقوق الإنسان، والسجينة السياسية السابقة خلال ما يُعرف بـ (سنوات الرصاص). وتشغل البيه منصب رئيسة جمعية حلقة وصل سجن مجتمع، وهي أيضاً من مؤسسات المرصد المغربي للسجون. ومنذ عقود، وهي تخوض نضالاً متواصلاً من أجل حقوق السجناء، وإيماناً منها بأن الثقافة قادرة على أن تكون أداة للإصلاح، والترميم، وإعادة الإدماج.

 

منذ انطلاقته، شُيّد المهرجان كفضاء للقول والإبداع، انطلاقاً من سؤال جوهري :

ماذا لو لم تكن السجون مجرد أماكن للعقاب، بل أيضاً فضاءات لإعادة البناء ونقل التجربة ؟

منذ سنة 2018، مكّن المهرجان مئات المعتقلين القاصرين من التعرف على تقنيات الكتابة السينمائية، الإخراج والمونتاج، وعرض أفلامهم، بمرافقة مهنيين من عالم السينما وفنون الأداء. وخلال خمس دورات، استفاد أكثر من 4500 معتقل من العروض والورشات، ما جعل من مهرجان عكاشة السينمائي مؤسسة ثقافية حقيقية داخل الفضاء السجني المغربي.

ويتولى الإدارة الفنية للمهرجان: يونس العربي، المخرج وكاتب السيناريو المغربي، الذي يتقاطع عمله مع السينما الاجتماعية والسرد الإنساني. ومن خلال مقاربة فنية دقيقة وإنسانية في آن واحد، يواكب يونس العربي الشباب المعتقلين في بناء سرديات سينمائية صادقة، بعيدة عن الصور النمطية، ويساهم في ترسيخ المهرجان كفضاء إبداعي معترف به فنياً واجتماعياً.

 

دورة تاريخية حول العقوبات البديلة

 

 

 

تشكل الدورة السادسة منعطفاً تاريخياً، إذ تتزامن مع دخول العقوبات البديلة حيز التنفيذ في المغرب 2025، وهي إصلاح عميق في المنظومة القضائية. 

وتشمل هذه العقوبات العمل ذي المنفعة العامة، العلاج، الغرامة، والسوار الإلكتروني، وتهدف إلى إعادة التفكير في العقوبة الجنائية من منطق الإدماج بدل الإقصاء.

 

ولأول مرة، يقوم الشباب المعتقلون أنفسهم بتصوير وتمثيل هذه الأشكال الجديدة من العدالة. 

ومن خلال أفلام قصيرة، ووثائقيات، وأشكال سينمائية هجينة، يطرحون أسئلة جوهرية حول معنى العقوبة دون محو، والمحاسبة دون نفي.

 

كما تتميز هذه الدورة بمشاركة فعلية للمعتقلات القاصرات، حيث تُعرض أفلامهن، و "بودكاستاتهن"، وعروضهن الفنية ضمن البرنامج الرسمي، في خطوة تشكل تحولاً رمزياً مهماً داخل فضاء ظل طويلاً ذكورياً، وتؤكد التزام المهرجان بقيم المساواة والإدماج.

 

السينما كفعل عدالة

 

في عكاشة، لا تُختزل السينما في الترفيه، بل تتحول إلى فعل عدالة.

فالأعمال المعروضة هي ثمرة أشهر من الورشات الفنية : كتابة، إخراج، مونتاج بودكاست، ستانداب، موسيقى، وفنون بصرية. 

ويجمع برنامج المهرجان بين : مسابقة رسمية للأفلام القصيرة من إنجاز الشباب المعتقلين وعروض أفلام طويلة مغربية ودولية تليها نقاشات وبث مباشر لبرامج بودكاست وعروض ستانداب، راب، وأداءات تعبيرية ومعرض دائم للصور الفوتوغرافية واللوحات الفنية المنجزة داخل السجن اضافة الى لقاءات وحوارات حول العدالة التصالحية وإعادة الإدماج.

 

وتتكون لجنة تحكيم هذه الدورة من سعد الشرايبي، المخرج وكاتب السيناريو المغربي، وفطومة بنحيمود، المسؤولة عن الإنتاج واقتناء الأفلام الوثائقية بالقناة الثانية المغربية، ما يضمن تقييماً فنياً مهنياً ورفيع المستوى.

 

ما وراء الجدران

 

رغم تنظيمه داخل مؤسسة سجنية، فإن مهرجان عكاشة السينمائي يتجاوز جدران السجن. ففي عالم تظل فيه السجون غير مرئية، والإصلاحات القضائية مجرد مفاهيم مجردة، يقدم هذا المهرجان شيئاً نادراً : وجوهاً، أصواتاً، وحكايات إنسانية.

فوراء كل عقوبة، توجد قصة إنسانية.

وأحياناً، تبدأ أولى خطوات الحرية بالحق في الحكي.

في عكاشة، لا تمحو السينما الجدران... لكنها تفتح نافذة