النائب اروى الحجايا .... يوم الاستقلال ليس قصيدة نُرددها

في الخامس والعشرين من أيار، ينبض القلب الأردني كما ينبض وتر الربابة في ليالي البادية، ويشرق الوطن كما تشرق الشمس على ذُرى مؤاب، فتُزهر التهليلة في الحناجر، وتُرفع الرايات لا على سطوح البيوت فحسب، بل في وجدانٍ كتب تاريخه على رُكب الرجولة، ونسج حكاية مجده بخيوط النخوة والدم والعهد. ليس هذا اليوم مرور ذكرى، بل ندبة عزٍّ على كتف التاريخ، وجرحٌ التحم بالصبر، وسُقي بدمٍ زكيٍّ سُفك في ثرى الكرامة، فأنبت وطناً لا يُروض، وعزاً لا يُكسر. في هذه الأرض التي غسلتها خيول الثورة العربية الكبرى بعرقها، حيث خفقت العُقل فوق رؤوس الفرسان، وحيث الأمهات دعون في الليل البهيم: “يا رب اجعلهم رافع راية لا مكسور هامة”، نهض استقلالنا لا كما تنهض الدول عبر موائد السياسة، بل كما ينهض السيف حين يُستدعى للحق. رفعه عبدالله الأول، لا بيد طامح، بل بيد من ورث نار الحسين وقلب قريش، وبيعة لا تنكسر. وكان سندُه رجال البادية، أبناء الرمل والقصيد، الذين إذا قالوا وفَوا، وإذا عاهدوا ثبتوا. لم يشترهم ذهب، ولم يغوهم وعد. حملوا السلاح يوم كان السلاح عنوان كرامة، وبايعوا الهاشميين كما تُبايع القبيلة شيخها: عن رضا، ودم، وركاب ناقه. هؤلاء لم تكن ولاءاتهم وريقاتٍ تُوقّع، بل نبض يجري في دمهم كما يجري الملح في اللبن. رايتهم لا تنثني، وإذا هبّت ريح الفتنة، كانوا أول من يربط أوتاد الخيمة. والشعب الأردني، من شماله لجنوبه، من سهوله لجباله، كان صفاً متراصاً كصف النخيل عند العاصفة، عروقهم متشابكة، وأكفهم على الزناد، وقلوبهم لا تُشترى ولا تُغدر. في وجه الخونة كانوا جداراً من صوان، وفي وجه المشككين جمر عزٍّ لا ينطفئ. حاولت ألسنة السوء بثّ الفرقة، فقالت لهم البلاد: “هذا وطن يُصاغ من نخوة، لا من دَسيسة. وهنا الخيمة لا تخون رايتها، ولا القبيلة تنقض عهدها.” وكم من يدٍ خفية أرادت سلخ البادية عن الجذع، وإيهام الناس أن الزمن ينسى الشرف، فإذا بكل صحراء تنطق: “منّا كان البدء، وعلينا كانت البيعة، ونحن الوتر الذي لا يُقطع”. ففي الأردن، القبيلة لا تهدم الدولة، بل تقيمها، وتسندها، وتدفع عنها في الهجير والزمهرير. القيادة لم تأتِ بغزو، بل جاءت بمفتاح، وفتحت به أبواب الوطن لا لتملكه، بل لتخدمه. سارت الهاشمية كقافلة قَدر، ومعها الشعب كتفاً بكتف، يحملون الشوق على ظهورهم، ويرفعون الراية حتى لو مال الزمن.
ولم تكن رايتنا لتظل شامخة، لولا رجال أقسموا أن النوم لا يزور عيونهم إلا بعد أن يطمئن الوطن. رجال الأمن، أبناء الكتمان واليقظة، هم السهل الممتنع، والماء الذي لا يُرى، والدرع الذي لا يُخرق. إذا نادى المنادي، لبّوا، وإذا اشتد الخطب، كانوا السياج. يعملون في الظل، وينيرون الدرب، لا يطلبون التصفيق، بل يسكنهم يقين أن حفظ الأمن عبادة، وصون الناس فرض. هم من يغلق أبواب الفتنة قبل أن تُفتح، ومن يُطفئ نارها قبل أن ترى شرارة الضوء. في وجوههم صرامة الحزم، وفي قلوبهم لين الأردني لأهله، لكنهم إن غضبوا كانوا صاعقة لا تُرد، لأنهم أبناء مدرسة الجيش، وحماة “الله، الوطن، الملك”.
يوم الاستقلال ليس قصيدة نُرددها، بل قَسَم نُجدده، وشهقة فخر، وموعدٌ دائم مع المجد. هو ساعة نُثبت فيها أن الأردن لا يُشبه أحداً، وأنه ينهض كل مرة أقوى، كما تنهض الناقة من تحت السهم. فلتحيا الأرض التي علمتنا أن الكرامة لا تُهدى، بل تُنتزع، وأن الخيمة لا تضعف ما دام فيها رجال يُقسمون إذا عاهدوا. وليبقَ الأردن كما عهدناه، سنامًا مرفوعًا، ورمحًا لا ينثني، وظلاً واسعًا لأبنائه الشرفاء. ولتظل قيادتنا الهاشمية تاجًا على رؤوسنا، لا ينزعه الزمان، ولا تُطفئ بريقه المحن.
النائب اروى الحجايا عضو كتلة حزب عزم النيابية