إنْقَاذُ الأُمَم المُتّحِدَة قَبْل سُقُوطِها


أنباء الوطن -

إنْقَاذُ الأُمَم المُتّحِدَة قَبْل سُقُوطِها

 

بقلم: ريم الحسين

 

عبّر طلال أبوغزاله من خلال كتابه الجديد ذي العنوان "من الأمم المتّحدة إلى الشّعوب المتّحدة"، عن أمله الذي ينادي به منذ عقود في تبنّي (الأمم المتحدة) لخطوات جدّية تشكّل (خارطة طريق) نحو إصلاح أكبر تجمّع أممي يمثّل العالم.

 

وقدّم الدكتور طلال في كتابه سلسلة من النّصائح إلى صانعي القرار؛ والمؤثّرين من حوله، أولئك الّذين يستمعون إليه، ويتجاوبون معه، وقد وقفوا يومًا ما عن يمينه أو شماله في أروقة الأمم المتحدة، ثم هم يعلَمُون تاريخه المرموق بين جنبات الأمم المتّحدة كأحد أهم قادة الفكر الحضاريّ، وأكبر أعمدة أصحاب التّقنين المعرفي على المستوى العالميّ.

 

كما قدّم طلال أبوغزاله سلسلة من النّداءات البنّاءة الّتي ترقى إلى (بيانات) ذات الحُجَج والبَرَاهين، أراد لها أنْ تؤسّس لخارطة أمل قابلة للإنجاز، موظّفًا خبراته المتراكمة المنسوجة من خيط عقود السّنوات الماضية التي شغل فيها رئاسة أهم جمعيّات (الأمم المتّحدة) ومؤسّساتها ذات الصّلة المباشرة بقضايا عالميّة الطّابع؛ فلطالما تميّز أبوغزاله بنظرته المتساوية لأقاليم العالم من حيث الأولويات، والإنجازات، والمتطلبات والحاجات.

 

عرّف الكتاب بالتّنمية العالميّة والتّحولات الرّقميّة والحوكمة الاستراتيجيّة، عاكسًا أولًا: (الميثاق الرّقميّ) الذي اعتمدته الأمم المتحدة في "قمّة المستقبل" كأوّل إطار دوليّ للتّعاون الرّقميّ العالميّ، وحوكمة الذّكاء الاصطناعيّ، بوصفه (خطوة أولى) نحو ضمان أنْ يعود تطوير التّقنيات الرّقميّة والذّكاء الاصطناعيّ أو قُلْ التّفاعليّ بالنّفع على الجميع، وألا يضر أحدًا.

 

كما عكس ثانيًا: (نبرة عُليا) من شغوفٍ كان قد انغمس في خدمة الإنسانيّة جيلا بعد جيل، وخبر مبادئ الأمم المتّحدة منذ تأسيسها، وقدّم اقتراحات كان لها الأثر الإيجابيّ الأكبر لتحقيق رؤية شباب العالم لها أنْ تكون "منصّة للكُلّ، لا للبَعض!".

 

لقد بيّن أبوغزاله في كتابه أنّ (العالم الرّقميّ) اليوم مختلف عن (العالم التّقليديّ) وأنّ سرعة نقل الأخبار بين النّاس قد ساهمت في تغيير نظرة النّاس إلى كلّ ما يشغل عالمهم، وأنّ المنصّات الرّقميّة الحديثة اليوم قد عادلت مؤسّسات عملاقة في أخبارها وسردها.

 

وعرّج الكتّاب إلى صُنّاع السّياسات، من خلال قنوات التّعبير الحُرّ الداة الأكثر تواجدًا بين منصات العالم الرّقميّ، وعدّها دليل نجاح، مطالبًا الأمم المتّحدة أنْ تأخذ بعين الاعتبار آراء النّاس - من خلالها - حول برامجها وأدائها.

 

ومن الجدير معرفته أنّ الدكتور طلال أبوغزاله من الشّخصيّات ذات الشّأن في تاريخ أجندات الأمم المتحدة، وأحد أهم قادة الفكر والعمل المعرفيّ عالميًّا، ولقد أسهم في إنجازات مؤسّساتها ومنظّماتها على مرّ السّنين، كما نال تقدير أمنائها المتعاقبين. ولقد ضمّن كتابه مبادئ ربّما قد نسيها العالم للحظة تغوّلت من خلالها المصالح الفرديّة على المصالح العامّة، كما ذكّرنا في كتابه بما تأسّست عليه قوانين الأمم المتّحدة التي بات من الضّروريّ إعادة عجلاتها إلى حيث خط سيرها الصّحيح، في زمن كثرت في النّزاعات والتّصادمات.

 

نعيش في عصرٍ يمتلئ باثنين لا ثالث لهما (الشّك أو الصّراعات)، وإنّه لا حلّ لتفاقم الصّراعات إلا بالعدل، وانتهاء عصر (الفيتو) في الأمم المتّحدة، والابتعاد عن المحاباة، ولا حلّ للحروب التي تتزايد في العالم، إلا باستبدال (الحكمة) مكان (البطش)، وتغليب (مصلحة الإنسانيّة) على ما سواها، وابتكار برامج قابلة للتطبيقن وفيها من الحلول ما يضمن مواجهة تحدّيات الكون التي نحن طرف فيها وقد نحمّل كوكبنا العبء الأكبر لتحمّلها!

 

لقد اعتمد أبوغزاله في كتابه، إضافة لأساليبه الثلاثة المعروفة عنه: (الاستشهاد)، و(الاقتباس)، و(الحِجاج) على المُراوحة بين أسلوبَين في الشّرح هما: (التّفصيل) و(الإيجاز) والموازنة بينهما حسب الحاجة، مع التزامه بتحقيق غرضَين عُرِفَا عنه في كتبه، هما: (البيان) و(الإحاطة) وذلك من أجل تحقيقه لأهدافه الثّلاثة التي لمسناها في كتابه، وهي: المحافظة على الأمميّة الكونيّة، وشمول مفهوم "الأرض للجميع"، وإيجاد علاقة منفعة أممية بين أدنى أهل الأرض جميعًا، وأقصاهم.

 

وتحقيقًا لأهدافه، فقد عمد طلال أبوغزاله إلى أسلوبه المعروف الدامج بين الحُجّة والبُرهان، والشّرح، والإيجاز حسبما يحتاجه الموقف، وتوضيح أفكاره وترجمتها على أرض الواقع؛ للتطبيق، ثم طرح رؤية جريئة لأمم متّحدة جديدة، توظّف التّطوّرات في العالم الرّقميّ، وتحثّ على التّواصل مع النّاس في كلّ ركن من أركان هذا العالم، بحيث تضمن لهم دورًا في صنع السّياسات، وتوفّر لهم قنوات للتّعبير الحرّ عن آرائهم حول برامج المنظمة وأدائها.

 

وهكذا ينسج أبوغزاله من خلال كتابه، وبالخطّ العريض، ترسيمة لتحديث الأمم المتّحدة، وإصلاح موجوداتها، بكلّ جرأة؛ من أجل إعادة تشكيلها؛ إيمانًا بأنّ أنظمة عصرها الذي تأسّست به لم تعد مستساغة ولا مقبولة؛ مع وِلادة أطراف قيادات جديدة في العالم، داعيًا إلى إصلاح أكبر المنظمات العالميّة تواجدًا قبل انهيارها، ووضعها على مسارها الصّحيح الذي تأسست من أجله؛ لضمان مستقبل الأجيال الجديدة.